للاطلاع على محتويات الإعلان أنقر هنا  
صحيفة دولية تهتم باللغة العربية في جميع القارّات
تصدر برعاية المجلس الدولي للغة العربية

  موقع الجمعية الدولية لأقسام العربية           الموقع الجديد الخاص بالمؤتمر الدولي للغة العربية           الباحث العربي: قاموس عربي عربي           راسلنا         
الصفحة السابقة الصفحة الرئيسة

التـَّعريبُ وأهميتــــه في إغناء لغتنا الكريمة

أ.د. محمد البكّـاء



  التَّعريبُ أو مايُعرف في علم اللـّغة بـ ( الإقتباس)، أو( الإقتراض)،أو كما عرّفه المعجمُ الوسيطُ: أنّهُ صبغ الكلمة (المُصطَلح) بصبغة عربية عند نقلها بلفظها الأجنبي إلى اللغة العربية. هو وسيلة من وسائل إغناء اللـّغة، لأنه في الأصل أخذ الكلمة غير العربية ، وإحداث بعض التغيير اللفظي فيها بحسب ما يقتضيه  النُّطق العربي من قلب كثير من التاءات طاءات، وقلب الهاء في أواخر الكلمات الفارسية قافاً ، أو جيمـاً، أو كافاً، وصبّ الكلمة المُستعارة في قالب عربي، هذا أيام كانت مخارج الحروف عند العرب محدودة، على أنهم عالجوا الحروف الأعجمية التي لم تكن في لغتهم حتى مرنت ألسنتهم على النطق بها، وقد ذكر ذلك ابن سينا في رسالته: (أسباب حدوث الحروف)، كما أن جماعة منهم لم يوجبوا موازنة الألفاظ العربية في التعريب، فلسنا ملزمين اليوم أن نقول:( اللطيني،واللاطيني)،بدلاً من ( اللاتيني)،و( السينما طغرافي)،ولا( الطرمومطر) للسينما التغرافية، والترمومتر،إن أردنا تعريبهما.وقد عالج ابن خلدون هذا الموضوع في مقدمته، بالقول:«ولما كان كتابنا مشتملاً على أخبارِ البربر، وبعضِ العجمِ وكانت تعرضُ لنا في أسمائهم أو بعضِ كلماتهم حروفٌ ليست من لغةِ كتابنا، ولا أصطلاح أوضاعنا, اضطررنا إلى بيانهِ ولم نكتفِ برسمِ الحرفِ الذي يليه كما قلنا لأنّهُ عندنا غير وافٍ للدلالةِ عليه, فاصطلحتُ في كتابيَ هذا على أن أضعَ ذلك الحرف العجمي بما يدل على الحرفينِ الذينِ يكتنفانه ليتوسط القاريءُ بالنطقِ بين مخرجي ذينك الحرفينِ فتحصلُ تأديتهُ وإنما اقتبست ذلكَ من رسمِ أهلِ المصحفِ حروفُ الإشمامِ كالصراطِ في قراءةِ خَلَف فإنّ النطقَ بصادهِ فيها متوسطٌ بينَ الصادِ والزاي، فوضعوا الصادَ ورسموا في داخلهاَ شكلُ الزايِ ودلّ عندهم على التوسطِ بين الحرفينِ.» فالتعريب إذن عملية صَرفية قياسية، تعتمد لفظة أصلها غير عربي لتُضَمُّ إلى اللغة العربية بعد وَزْنِها على أحد الأوزان العربية. قال الجوهري: تعريب الاسم الأعجمي أن تتفوّه به العرب على مناهجها، وقال الزبيدي:¸وأما المعرَّب فهو ما استعملته العرب من الألفاظ الموضوعة لِمَعَانٍ في غير لغتها.ولا تخرج المعاجم القديمة والحديثة عن هذا المعنى.
لقد لجأ العرب إلى (التعريب) قديماً وحديثاً،وذلك حينما اتسعت حياتهم، وحضارتهم،واتصلوا بالأمم المجاورة،والثقافات الأجنبية فانتقلت إلى العربية ألفاظ جديدة خضع قسمٌ كبيرمنها إلى النسج الرقيق للكلمة العربية من حيث الأوزان، والصيغ،وتبدّل بعض الحروف، وتغير موقع النّبر حتى أصبحت على صورة شبيهة بالكلمات العربية،وهي التي سماها علماء العربية بـ ( الألفاظ المعربة)، أما غيرها  من الكلمات الأجنبية التي بقيت على صورتها الأصلية فأطلق عليها( الألفاظ الدّخيلة)؛ وقد يطلق على على (المُعرب)اسم الدخيل أيضاً،برغم عدم دقة هذا الإصطلاح، وذلك لأنّ: ما يميّز المعرَّب من الدخيل، أن المعرَّب يطرأ عليه تحوير في بنيته مما يجعله موافقًا لأبنية الكلمات العربية، بينما يبقى الدخيل على صورته مع إمكانية حصول تحريف طفيف في نطقه بما يوافق النطق العربي .
    وقد أنكر قسمٌ من الباحثين العرب المعاصرين إدخال الكلمات الأعجمية في متن اللغة العربية بعد عصور الفصاحة لأنها لم تجدْ إماماً من أئمة اللغة يصرح بقياسية التعريب،ويرى: أن نسد حاجتنا إلى المفردات بطرق أخرى: كـ (الإشتقاق)،و(النّحت)،و(الإبدال)، وغيرها. في حين ذهبت طائفة من الباحثين اللغويين إلى الأخذ بمذهب (التّعريب)، لأنه اسلوب من أساليب وجدان المصطلحات العلمية،والفنية. وهو اسلوب قديم أخذ به العرب قديماً،وهناك بعض الألفاظ المعربة التي وردت في القرآن الكريم. وهنا قد يتبادر إلى الذهن ما مفاده: أيجوز أن يكون في القرآن الكريم غير لغة العرب، وقد قال تعالى: " قرآناً عربياً".( يوسف2)،وقال سبحانه:" وهذا لسانٌ عربي مبين".(النحل103)؟.
   نقول: أنّ الكلمة وإن كان أصلها في لغة أخرى،فإنها إذا عُربت في العربية،واستعملها أهلها فقد صارت عربية كسائر ما تتخاطب عليه العرب من كلامها. لذلك جاز أن يخاطب الله بها العرب. وعلى الرغم من أن التعريب واحدٌ من أساليب وجدان المصطلحات العلمية، والفنية،وأن هناك بعض الألفاظ المعربة التي جاءت في القرآن الكريم مما يدلل على قدَّم التعريب، إذ يرى أحد الباحثين: إنَّ التحمُّس للعربية والعروبة قد ظهر منذ العصر الأموي الذي رأى فيه التعريب النور، حيث إن القِيَم العربية التي نقلتها اللغة العربية، سيطرتْ على التاريخ الثقافي العربي آنذاك، وكان العربي في ذلك العصر متشبعًا بلغة دينه، وكان فصيحًا طلْق اللسان، فلم يخش تعريب الكلمات الأعجمية وصَوْغَها على أوزان عربية، وإخضاعَها لقواعد لغة، صارت مقدَّسةً بقداسة القرآن. لكنّ القواعد التي وضعها فقهاء اللغة العربية لضبط هذه العملية، تُبيّن أنهم لم يقرِّروا ضرورة تعميم استخدام اللفظ الأعجمي كلّما دعت الحاجة إلى ذلك، لئلا يلحق العربية ضررٌ من الإفراط في استعمال هذه الوسيلة. لذلك، لم تدخل العربية عن طريق التعريب قديمًا إلاّ بضعُ مئات من الكلمات الأعجمية. وتجلّى قَدْرٌ من هذه الكلمات المعرَّبة في نص القرآن الكريم، وذلك على الرغم من وجود نظرية تستنكر ذلك حِفظًا للكتاب من كل عُجمة. لكنّ الحديث عن وجود ألفاظ معرَّبة في القرآن دليل على رواجها وقبولها والاطلاع عليها.وهذا ماذهب إليه د. مصطفى جواد( 1904- 1969م)  إذ ْ يرى أن التعريب: مقيد بوضوح المعالم، مشروط بالإضطراد، لذا نراه يدافع عن رأيه قائلاً: ولقائل أن يقول: كيف أوجبت أن يكون التعريب واضح المعالم، محدوداً مشروطاً بالإضطرار، وهذا كتاب( المعرب) للجواليقي فيه زهاء  تسع مائة كلمة من المعربات، ومنها: أعلام بلاد، وأعلام رجال؟. والجواب: أن أعلام البلاد، وأعلام الرجال ليس في تعريبها جدال،أما المعربات الأخرى فهي مما عُرّب منذ أزمان الجاهلية، فإن عددنا القرون الخاصة بالتعريب إلى زمانه ستة قرون، وقسمنا المعربات بينها أصابت كل سنتين ثلاثة معربات، وهذا مقدار نزر جداً).
      أما اليوم فإن قضية التَّعريب تواجهنا في معالجة مشكلة المصطلح العلمي التي مازال الجدلُ قائما حولها فإذا كان المجمع  اللغوي المصري قـــد أقرَّ التّعريب ، بالقول: " يجيز المجمع أن يستعمل بعض الألفاظ الأعجمية عند الضرورة على طريقة العرب في تعريبهم". فإن كلمــــــة  (الضّرورة) هذه لاتخلو من نظر، وذلك لأن علماء العربية أجمعوا على أن ( التّعريب) سماعي لايقاس على ماورد منه عن العرب، وأن الخشية من فتح باب التعريب على مصراعية تكمن في  الخوف من تفشي الأعجمية في الكلام، وغلبتها على العربية، وعلى الرغم مما قيل في محاسن التعريب، وتزيينه خاصة، وأن الكثير من معاهدنا العلمية ، والجامعية مازالت تدرس موادها باللغات الأجنبية، فإننا نرى ضرورة عدم فتح باب التـَّعريب على مصراعيه لأن في ذلك إمتهان للغة العربية التي وسعت كتاب الله (لفظاً  وغاية)، لأنها لغة رحبة غنية تنمو بالتوالد، وتنتظم مفرداتها في أسر، وقبائل في تقاربها، وتجانسها، وتكاثرها، وبذا يظل للأشتقاق دوره الكبير في إغنائها، وملاءمتها مع حاجات العصر كيما تستمر العربية لغةً للمعرفة، والحضارة، كما كان شأنها في عصور إزدهارها السالفة .وذلك لأننا نرى: أن الإشتقاق أهم من التعريب، وأجدى في معالجة مشكلات العربية في عصرها الراهن،وهو الوسيلة الأمثل لتوليد الألفاظ والصِّيغ،وأن الصلة بينه، وبين القياس وثيقة، لأنّ الإشتقاق هو:عملية استخراج لفظ من لفظ ،أو صيغة من أخرى، أما القياس فهو الأساس الذي تُبنى عليه هذه العملية لكي يصبح المُشتق مقبولاً مُعترفاً به بين علماء اللغة. فالقياس هو النظرية،والإشتقاق هو التطبيق. وقد أولى الباحثون اللغويون من قدماء ومحدثين الإشتقاق عنايتهم لأنه يمد اللغة بالحياة الدائمة،والنّمو المتواصل، أو كما قال أحد اللغويين: أن الإشتقاق هو اللغة، وأن اللغة هي الإشتقاق،وهو قوامها، وعمادها.

.


التعليقات
الأخوة والأخوات

نرحب بالتعليقات التي تناقش وتحلل وتضيف إلى المعلومات المطروحة عن الموضوعات التي يتم عرضها في الصحيفة، ولكن الصحيفة تحمل المشاركين كامل المسؤولية عن ما يقدمونه من أفكار وما يعرضون من معلومات أو نقد بناء عن أي موضوع. وكل ما ينشر لا يعبر عن الصحيفة ولا عن المؤسسات التي تتبع لها بأي شكل من الأشكال. ولا تقبل الألفاظ والكلمات التي تتعرض للأشخاص أو تمس بالقيم والأخلاق والآداب العامة.

الاسم
البلد
البريد الالكتروني
الرمز
اعادة كتابة الرمز
التعليق
 
   
جميع الحقوق محفوظة © 2020
المجلس الدولي للغة العربية