الاكتئاب يفقدك مباهج الحياة

الاكتئاب يفقدك مباهج الحياة

يتعرض الإنسان للأضطرابات النفسية، ولعل المرض النفسي من الاضطرابات التي تؤثر بشكل كبير ليس فقط على الشخص المريض بل على كل من يحيط به أو يتعامل معه بشكل ما، والمرض النفسي ليس كالمرض العضوي فالعلاج الدوائي وحده قد لا يؤتي نتيجة لحله، لذلك تعد الحالات المرضية النفسية حالات تحتاج لعناية خاصة ودراسة شخصية مستفيضة، وفي ما يلي قصة يرويها سامر علي وهو شاب أرهقه مرضه النفسي الذي حط عليه قبل سنين قليلة قلب حياته رأسا على عقب حتى فاض به الأمر ليفرغ آهاته وآلامه بسرده قصته لـ «الصحة أولا» والتي ابتدأها قائلا:

منذ أربع سنوات استيقظت صباحا أعاني من آلام توزعت على كل أعضاء جسدي، من رأسي حتى أخمص قدمي، لم يكن هناك أي مقدمات لما أصابني حتى ذلك الصباح المليء بالآلام، لم أكن أعاني من شيء، نقلني أهلي من شدة نواحي لأقرب طبيب وكان طبيبا عاما والذي باشر بعد فحصي سريريا بالقول أنني لا أعاني من أي مرض، وأضاف أن ما أشعر به هو حالة نفسية ستزول مع الوقت، ولكن الوقت مر وحالتي تزداد سوءا، وتنقلت من طبيب لآخر من تخصصات مختلفة كان آخرهم طبيب نفسي والذي شخص حالتي بأنها اكتئاب أو اضطراب بالشخصية، عائلتي باتت تلاحظ ذلك التغيير الذي طرأ على شخصيتي .

والذي انعكس على تصرفاتي وسلوكي فعدم التركيز والشرود والانطوائية أصبحت سمات ظاهرة في شخصيتي التي كانت مختلفة تماما قبل ذلك الصباح الأليم، كنت مرحا اجتماعيا أنظر للحياة نظرة تفاؤل ، شاب في مقتبل العمر مهتم بجسمي وبأناقتي اللذان تدهورت حالتهما بعد إصابتي التي لا أعرف كيف حطت علي، فأنا الآن بجسمي الذي بات مترهلا بسبب إقبالي على الأكل الزائد مع عدم استطعامي به، والعزلة التي أضع نفسي بها وذلك لعدم مقدرتي وتقبلي للاختلاط بالعالم الخارجي.

ولم يقف هذا المرض عند حد تعذيبي جسديا بل أنه نفر كل من حولي من أصدقاء ما عادوا يعرفوني كسابق عهدي مما دفعهم لهجري والذي أثر بي كثيرا هو هجران من كانت على وشك مشاركتي حياتي زوجة المستقبل التي لم تحتمل مشاركتي مرضي النفسي، و ما كان من أهلي وقد مضى على معاناتي 4 سنوات إلى أن دفعوني للسفر بهدف التغيير والخروج من المحيط الذي أعيشه ومقابلة وجوه جديدة قد تكون سببا في خروجي وشفائي من الحالة النفسية التي تخيم علي، وقبل سفري زرت طبيبا نفسيا متميزا في بلدي والذي وصف لي أدوية تخفف من وطأة ما أعانيه من ألم .

وغادرت دياري بحثا عن خلاص من مرض تمكن من عقلي وجسدي، وها أنا بعد ثلاثة أشهر من الغربة مازلت في دوامة ما يسمى بالاكتئاب الذي دمر شخصيتي وهدم مستقبل كنت قد رسمته لنفسي، فأين أذهب ولمن أتوجه ضقت ذرعا مما أنا فيه وقدرتي المادية لا تسعفني على ملازمة الأطباء النفسيين، فهل هناك خلاص مما أعاني منه سؤال آمل أن أجد له جوبا.

الأسباب والعلاج

وعن أسباب الاكتئاب وطرق العلاج حدثنا د. محمد سامح أخصائي الأمراض النفسية قائلا: ليس هناك سبب واحد بعينه للاكتئاب، يختلف الوضع من شخص إلى آخر. في كثير من الأحيان فإن الاكتئاب يرتبط بأحداث الحياة، خصوصا في المرحلة الأولى منه. ما حدث لك وأنت طفل قد يكون له أثر بالغ في كيفية إحساسك نحو نفسك الآن. الأحداث المأساوية مثل الاعتداء الجسدي أو الاغتصاب قد تعزز الاكتئاب.

وكذلك وفاة أحد الأقارب أو الأصدقاء. إنه ليس فقط التجربة السيئة هي التي تسبب الاكتئاب ولكن كيف تتعامل معها. التجارب السيئة تكون أكثر مساهمة في إحداث الاكتئاب إذا كانت أحاسيسك تجاه التجربة مكتومة ولم يعبر عنها حتى تزول كما قد يرتبط الاكتئاب بأسباب جسدية. الغذاء الفقير في محتواه، أو فقدان اللياقة البدنية أو الأمراض مثل الأنفلونزا، قد تتسبب كلها في شعورك بالاكتئاب. التعاطي المتكرر لبعض المخدرات التي تسبب الشعور بالبهجة قد يقود إلى الاكتئاب.

ويتم علاج الاكتئاب عادة عن طريق تناول مضادات الاكتئاب وهي أدوية مأمونة بشكل كبير ولا تؤدي إلى التعود عليها أو إدمانها، ويجب الاستمرار على هذه الأدوية مدة لا تقل عن أسبوعين لكي تبدأ حالة المريض بالتحسن، والاستمرار عليها مدة ستة أشهر بعد ذلك رغم التحسن لكي يستمر المريض بحالة جيدة بعد توقف العلاج. أما العلاج النفسي فيهدف إلى تحسين قدرات المريض الفكرية والذهنية والاجتماعية والسلوكية ويكون ذلك عن طريق أنواع متعددة من العلاج النفسي منها المعرفي والذي يعمل على تصحيح المفاهيم الخاطئة لدى المريض حيال نفسه ومجتمعه واستبدال هذه المفاهيم بأخرى أكثر إيجابية.

وهناك أيضا العلاج السلوكي والذي يعمل على تعديل السلوكيات المؤدية للاكتئاب وتعليم المريض سلوكيات إيجابية تؤدي إلى رفع كفاءته وقدراته العلمية والاجتماعية. والاكتئاب النفسي يعد من أكثر الحالات استجابة للعلاج إذا ما أسرع المريض في زيارة الطبيب النفسي وداوم على استعمال الدواء كما يوصف له وأن يكون متعاونا في الجلسات النفسية التي يحضرها.

أعراض وعلامات الاكتئاب

*الشعور بالحزن والاكتئاب والضيق واليأس وهو ما يطلق عليه المزاج الاكتئابي.

* فقدان الاهتمام والقدرة على الاستمتاع بمباهج الحياة.

* اضطراب الشهية وفقد الإحساس بطعم ونكهة الطعام فهو يأكل فقط لأنه اعتاد على ذلك.

* يصاحب فقدان الشهية فقدان الوزن، مع ملاحظة أن بعض مرضى الاكتئاب يزداد إقبالهم على تناول الطعام ويزداد وزنهم بالتالي ولكن أيضا دون الشعور بلذة الطعام كما كانوا من قبل.

* اضطراب النوم بالزيادة أو النقصان ولكن الأغلب خاصة في كبار السن هو الأرق ونقص نوعي وكمي لعدد ساعات النوم مع المعاناة من الأحلام المزعجة والنوم القلق.

* تناقص النشاط الحركي والطاقة وشعور المريض بالكسل وسرعة التعب ولكن أحياناً أيضاً يحدث العكس ولكن لا يكون في صورة نشاط منظم مفيد وإنما في صورة إفراط حركي وهياج بلا هدف.

* صعوبة التركيز ونقص القدرة على التفكير المنظم مما يتسبب في كثرة السرحان ورسوب بعض الطلاب أو فشل بعض الموظفين في أداء أعمالهم.

* الشعور بالذنب والإثم وعدم قيمة الذات، رغم عدم اقتراف المريض لأي أعمال تدعو لمشاعر الذنب هذه.. ولكنه يرى أنه المسؤول عن كل ما يحدث حوله من مصائب وآثام.

* كثرة الأفكار عن الموت، وعدم قيمة الحياة، وعبثية الوجود، وتمنى الموت.. بل أحياناً الإقدام على الانتحار في حالات الاكتئاب الشديدة.

* الانتحار يجب أن يؤخذ مأخذ الجد عند وجود أي دلالات أو أعراض اكتئاب لأن الثابت أن 15% من مرضى الاكتئاب ينتحرون، وان مريض الاكتئاب إذا صرح أو ألمح بالرغبة في الموت فانه ينفذها وينتحر بالفعل.

* إن الاكتشاف المبكر لمرض الاكتئاب شيء مهم لأنه يسهل مهمة علاجه ويزيد كثيراً من فرص الشفاء.

طباعة Email
تعليقات

تعليقات