ثيمات

أن تكون مكتئب! ...تجربتي مع الاكتئاب

الاكتئاب,الحياة,علاج الاكتئاب,الاكتئاب النفسي,الإكتئاب,مرض الاكتئاب,الصحة,اسباب الاكتئاب,علاج,علامات الاكتئاب,الاكتئاب المزمن,معلومات,ملخص كتاب,قناة,إذا كنت مكتئبًا,السيسي,الموضة,إجتماعي,الحزن,برنامج,اكتئاب,صباح,الفن,الانتحار,انا مكتئب,حبوب الاكتئاب

لقد ارتبط لدينا الهبوط دائما بالخيبة والفشل، ارتبط لدينا الظلام بالخوف والرعب انه العمى الذي يقودنا للمجهول، الضلال الذي حرصنا ألّا نتوه في مساراته وطرقه التي تودي بنا إلى اللاوجهة، إلى اللاشيء واللامعنى ...
إنّ أصعب ما قد نواجهه يوما ليس مرارة الألم المرافق للصعود، وليست الجروح والكدمات التي تلم بأجسادنا أثناء التسلق، ليست الرياح العاصفة التي تهدد سقوطنا لنتحطم من العلو!!
إنّها القمة... وماذا بعد القمة؟!! أليس هو الهبوط الذي لا نريده والعار الذي يلف أعناقنا ونحن ننزل مقيدين بسلاسل الخيبة أنّ ما ظننا أنّه يختبئ خلف القمة كان خدعة وسرابا ...
لكن بالنسبة لي حينها كان هذا مختلفا تماما! كان هبوطي إلى القاع كالصعقة التي توقظك من كابوس ترى فيه نفسك تطارد من وحوش ضارية وشياطين قبيحة وعفاريت عملاقة بينما تشعر أنّ رجليك لا تحملانك وتتثاقلان عن الجري وقوتك منهكة وقلبك يتوقف وكأنّ جسدك يُريد أن يتم التهامه ...
كانت أسعد لحظة لدي حينها عندما وصلت للقاع، لا تستغرب سعادتي فعلى الأقل أنا في أعمق نقطة في الوجود، الشيء الوحيد الذي يدعو للتفاؤل أنّ لا مكان آخر أنزل له، لا يمكن للأمور أن تسوء أكثر من ذلك وهذا نفسه أمر مفرح، على الأقل الآن سيزول الرعب الذي يلاحقني عن الأعماق ...
لم أكن أعلم أني سأبقى حيا بعد هذا؟!!هل نجى أحد من قبل بعد أن وصل إلى هنا؟!! هل أنا مازلت في هذا العالم أم أنني متّ ؟!! لا أشعر حتى بوجودي ...الظلام هنا هو السيد حتى النور لا يستطيع غلبته ...هل سيسمعني أحد؟!! وهل سيتجرأ أحد على النزول إلى هنا ...إلى عين الجحيم.
أسبق وتحدثت مع ناج من الجحيم ؟!!! ألم تعتقد يوما أنّ أحدا سينجوا منه؟!! سأكون أنا دليلك للجحيم ...لا بل معك الجحيم نفسه يتكلم.
السجن! ...أربعة جدران وسقف تحيط بك من كل النواحي لجريمة اقترفتها في حق مجتمعك، كيف عرف الانسان أنّ العقوبة الرادعة للنفس هي الزنزانة؟؟! هل هي الحرية التي نعيش من أجلها أن نرى ونقول ونسمع ونذهب أينما ومتى شئنا؟! وأن سلب هذه الحرية وإيداع البشر في قفص كي نتمتع بعذابهم ووحدتهم كما نتمتع بصوت طائر يلهف للحرية والطيران داخل قضبانه الحديدية ؟!! لكن هل هذا حقا أسوأ ما قد يحصل لنا؟!!
 ماذا لو كنا مسجونين داخل أنفسنا؟!! أينما ذهبنا حملنا سجوننا معنا ومتى تحركنا انقبضت القيود على أعناقنا لتخنقنا وتذللنا وكلما حاولنا الهروب منها انقطعت أنفاسنا وتورمت رقابنا...
لم أظن يوما أنّ هذا حقيقي، هذا الالم! وأي جسم هذا حتى يستطيع تحمل عبء الجبال طول هذه المدة !! أصبح رأسي ثقيل جدا لا أستطيع حتى حمله من الفراش والتأكد أني لا أضع أي خوذة فولاذية تزن عشرات الكيلوغرامات في المرآة، كل ما أذكره أني أردت بشدة ألّا أستيقظ أبدا البارحة أردتها أن تكون ليلة هادئة ينتهي فيها كل شيء ببطء...
لماذا علينا أن نستيقظ؟! هل نحن أحرار فعلا ؟؟ ها أنا أريد النوم طويلا لكن كل شيء يدفعني للنهوض كجندي أسير آخر ما يريده عدوه أن يموت، يريده أن يبقى مستيقظا كي يأخذ كل حصته من العذاب...وأي تشبيه هذا بالجندي الذي يرى نفسه بطلا مع كل ظفر ينزع منه وكل سن يتحطم وكل صعقة كهربائية وكل جلد ينسلخ من جسده المليء بالألوان الحارة والباردة كلوحة فنية تذكره بمجده، ومقدار ألمه هو ما سيكتبه قومه بدمه في صفحات تاريخهم، هو يملك غاية وحلم أما أنا فقد حصل هذا ببطء لكني شعرت أنني أغرق بسرعة، إلى الظلام في الأعماق دون أي سبب أو غاية.
أشعر بغصة في حلقي، وكأنّ حزاما لُف على رقبتي لكني لم أجد أبدا من أين بدأ ومن يمسك به، وصدري الذي يضيق ويعصر أحشائي ليخفي ألمه باق همسات جسدي الذي يكده التعب ولا يملك إلا صرخات حسرة ونجدة من ظهري الذي لا يستطيع حملي وعظامي التي ينخرها الوجع... أشعر أني شخت فجأة وتساقط شعري كأوراق أشجار أثناء الخريف العاصف الذي لا تسمع منه إلا دوي الرياح العاصفة، لقد فقدت الأمل في كل شيء كشيخ يلفظ آخر أنفاس حياة بائسة قضاها بين السجون والمحاكم ولا يريد من الحياة إلا أن ترحمه وتخلصه من بؤس عيشه الضنك ...
لم يخبرني أحد من قبل أن الحياة هكذا! كيف سأصف الحياة قبل السقوط؟!! سوى أنّي كنت طفلا، نعم كنت طفلا وفجأة مات ذلك الطفل، لا أعلم من قتله لكنه مات وأخذ معه كل نور وقوة ورغبة وحماس للعيش وفهم الحياة، أنا لم أقترف شيء لا أذكر شيء ولا أعلم شيء... أريد أن يتوقف كل شيء لا بل أريد أن ينتهي كل شيء... وماذا بعد هذا؟!! هل هو سقوط أيضا!
لم أعد أملك سوى قلم وبعض الكلمات، وهل يقوى القلم على مواجهة هذه الوحوش الضارية؟! وهل تستطيع الكلمات أن تنير وتصف معان لا تستطيع هي نفسها حملها؟! ألم نخلق الكلمات لتحمل لنا المعان؟ لكن هل تستطيع الحروف والكلمات والنصوص حمل اللامعنى؟ أليست معفية من هذه المهمة ... وما عساي أن أفعل بعد أن تخلى عني كل شيء إلا أن أستنجدها وأتوسل إليها أن تخفف عني حملي وترفع عني همي وتنير لي جسرا أعبر به هذه الوديان الموحشة.
أردت أن يتوقف كل شيء، ليت كل شيء يتوقف الآن وتتوقف الحركة ويتوقف معها الزمن كي لا يدفعني أي شيء أردت أن تتوقف الحياة ويتوقف معها الموت ويتوقف هذا التناقض الذي يمزقني ...
وقد بحثت طويلا عن معنى الحياة وماهيتها ومرت السنوات والجهود المضنية لكن وجدت سرا واحدا ... سرا بحثت عنه طويلا السر جعلني أدخل إلى الجحيم وأخرجني منه ... السر هو أن كل هذا ليس هو الحياة، إنّه يسمى إكتئاب...
اطلع على سلسلة فك شيفرة المشاعرستجد فيها مقالات لأهم المفاهيم عن المشاعر وكيفية التعامل معها ...

إرسال تعليق

0 تعليقات