الكاتب: حمدي جوارا

كاتب وباحث في القضايا الأفريقية
والمراقب العام للرابطة
باريس – فرنسا



كم هو مؤلم أن ترى هذه الأعداد الغفيرة من البشر وهم يتساقطون من على القرب والسفن الصغيرة في المتوسط وهم يهربون من الجحيم متمنين اللحاق بجنة أوروبا كما يتخيل في أذهانهم، وإلا فكيف يفهم أن يتم غرق أكثر من ألف نفس بشرية في المياه دون أن تمد يد الإنقاذ إليهم ...
إن الأمر لم يعد مطاقا وأن نمرّ عليها مرور الكرام دون وقفة حقيقية مع الظاهرة، لا أريد هنا أن أقسو على الضحايا الذين يخاطرون بحياتهم ويمتطون جياد المستحيل كي يصلوا لأهدافهم بحثا عن العيش الكريم وحق لهم أن يهاجروا في الأرض ليأكلوا من جنباتها ويستفيدوا من خيراتها، لكن أمرا كهذا يصعب الحديث من مهاجر مثلي لأن ذلك سيكون مطعنا لي في أني أرفض الهجرة إلى أوروبا وأنت تعيش فيها.
الهجرة مسئولية من؟
كثير من المهاجرين عبر البحر أو معظمهم لم يتلقوا التعليم الرسمي وهم أميون بالدرجة الأولى واليأس من إيجاد فرص عمل في بلدانهم جعلهم يفضلون المجيئ إلى أوروبا لأنها مهما كان مستواك التعليمي فإنها يمكنها الاندماج الايجابي لهم في سوق العمل وتكوينهم وتقديم السبل الناجعة ليصنعوا حياتهم من جديد، وهذه ما تفتقده دولنا في أفريقيا، وللأسف فإن الدول الأفريقية أو الحكومات الأفريقية تعمل من أجل تشجيع هذه الظاهرة للتخفيف على نفسها وفتح المجالات المباشرة للذهاب إلى المجهول، وهذه سقطة أخلاقية لهؤلاء الحكام دون أن يقدموا حلولا ناجعة لشعوبهم كي تطور واقعها وتنتج لنفسها، وهذا يعني فشل المعادلة الأفريقية في مجال التنمية والذي يعتقد ويفترض أن يكون قد وجد الطريق إلى تنمية أوطانها وخلق فرص العمل المفتوحة وخاصة أنها قارة مليئة بالطاقات الحيوية والاقتصادية لكن ربما هناك خلل في التفكير الأفريقي وحدث عطب في فهم أن القارة تحتاج للجميع وأن على الجميع العمل سويا لتغيير الواقع، بالإضافة أن هناك طغمة معينة هي التي تستفيد من الموارد الأفريقية ويبقى باقي الشعب بعيدا عن الاستفادة من هاتيك الموارد، فيضطر الشباب للتفكير في الخروج والخروج فقك لكي تجد سبيلا نحو إغناء نفسها وإثراء الأسر الفقيرة التي ليست ولا تتمتع بأبسط الخدمات الاجتماعية والعدالة المجتمعية رغم قيام وزارات ومؤسسات على هذا الأساس، لكن الشرخ كبير بين هؤلاء ممن يملكون المفاتيح الرسمية وبين شعب يائس ضل طريقه فلم يجد نفسه إلا بين أسماك المحيطات يتغدون على هؤلاء المهاجرين المساكين ...
المسئولية الأوروبية تجاه الهجرة
في السبعينات إلى التسعينات كانت أوروبا بحاجة فعلا إلى أيد عاملة لكي تبني حضارتها في المصانع والمرافق البنائية الكبرى لكن وبعدها شعرت أوروبا بأن هذه الهجرة أصبحت غير مجدية وأنها لن تحتاج إلى مزيد من الأيدي للأغراض المذكورة، ولذا رأينا ساركوزي في 2007 م بعد ترشحه للرئاسة الفرنسية يضع ما يسمى الهجرة الانتقائية بمعنى أن الدول الاوروبية عليها أن تقبل بالهجرة لكن لا ترحب إلا بأصحاب العقول المنتجة والتي يمكن للقارة الاستفادة منها والحقيقة أن كندا قد عملت على هذه الهجرة ولا زالت في هذه الهجرة الانتقائية...
ولكن الحقيقة التي يحتار الانسان تجاهه هو سكوت أو تباطؤ الدول الغربية في نجدة هؤلاء الذي قد تعرّض حياتهم للغرق والموت المحقق رغم أن أوروبا تتغنى بأنها قارة الإنسانية وموطن حقوق الانسان، ورغم الحالة المزرية لهؤلاء الذين يريدون الهجرة وتقديم حلول لازمة حقيقة إلا أنها بقيت مكتفية بمؤتمرات وتصريحات رسمية وغير رسمية مع دول المنطقة أو الأفريقية التي تخرج منها هذه الأسرب المهاجرة، دون ان تحقق شيئا على الأرض، والأغرب من هذا أن الذي يتجاوزون المحيط ويصلون مثلا لإيطاليا أو أوروبا إلا أن حالاتهم تبقى عصية على العلاج وبعضهم يبقون في أوضاع لا يحسد عليها مما يعني أن هناك مشكلة أو إرادة حقيقية لتوزيع هؤلاء أو تقديم كل السبل التي تخرجهم من هول الصدمة التي عبروا عليها من خلال المحيط، ولا شك أن فرنسا أيضا مسئولة عن هذه الهجرة بالأساس لأن معظم المهاجرين منحدرون من مستعمرات فرنسية سابقة لذا يتم توجيههم بعد فترات إلى فرنسا من قبل هذه الدول الحدودية، وعليها أن تشارك بقوة في عملية إنقاذ شاملة لهؤلاء بدل التباكي ودقائق صمت على أرواح هؤلاء الغرقى، وللأسف فإن دولنا الأفريقية هي التي ينبغي لها أن تنبّه فرنسا على القيام بدورها ولكنها للأسف لن تقدم لذلك لأن فرنسا تقدم لهم أموالا باهظة كل سنة كمنح للضغط على الشعب حتى لا تفكر في القدوم لأوروبا لكن هؤلاء الحكام يكتفون بقبولها دون التفكير فيما وراءها بذريعة أن الأمر خارج السيطرة، وهؤلاء القادة لا يملكون ذرة من وطنية صادقة تجعلهم يفكرون أن أبناء الوطن هم الذين يخاطرون بحياتهم في سبيل البحث عن رغد العيش وسعة الرزق...
ما الواجب فعله الآن؟
يجب أن يعمل الجميع من أجل التقليل من هذه الهجرة عبر البحار لأن عدم توقيفها يعني إنذارا بمستقبل الإنسانية ككل، لأن في كل ما نراه اليوم استهتارا بإنسانية الإنسان ورضا بقتل ذلك الإنسان أو قبول موته أو إزهاق روحه دون أي إسعاف من أجل إنقاذه ودون أن نعمل من وقايته من الغرق أو المرض أصلا، ويجب على الدول الأفريقية أن تفكر مليا في هذه الظاهرة وتحدّ منها وتأخذ على أيدي هؤلاء المجرمين الذي يتجرون بالإنسان الأفريقي فيأخذون منه مئات وآلاف الدولارات وخداعه بالعبور إلى أوروبا ...
إن سماسرة البشر يجب أن يحاربوا كما يحارب الإرهاب اليوم وأن تعقد الندوات والمؤتمرات من أجل تقليم أظافرهم والزج بهم إلى المصير الذي يرسمونه لهؤلاء المهاجرين، وهم بالفعل يعلمون بالخطر الذي هم قادمون إليه ويلجون فيه وقد رأينا كيف تعطب هذه السفن والقوارب في حال شعر إن هناك تحديد بالقبض عليهم عندما يتم محاولة إنقاذ هؤلاء المهاجرين من قبل السفن الغربية حتى لا يتم الإشارة لهم أنهم من وراء هذه المراكب الشراعية، كما يجب على الدول الأفريقية أن تعمل من أجل تطوير ذاتها وتوفير الحياة الكريمة لمواطنيها وإلا فإن هناك قنابل بشرية تحت الرماد ويوم تنفجر ستحرق الأخضر واليابس ويومها سنندم جميعا لأننا لم نكن في مستوى مسئولياتنا الوطنية تجاه أوطاننا وشعوبنا ...

إرسال تعليق Blogger

 
أعلى