
القاهرة – يشير التقرير الإقليمي الثالث للهجرة الدولية والعربية إلى أن الهجرة والتنمية أصبحتا أكثر ترابطا في العقود الأخيرة من أي وقت مضى. وتشكل التحويلات المالية نسبة كبيرة من الناتج المحلي الإجمالي للدول المصدرة، فيما تشكل نسبة أكبر من أرباحهم من العملة الأجنبية.
للهجرة الدولية أهمية كبيرة في عملية التنمية البشرية، فقد عملت الهجرة على تدعيم النمو الاقتصادي العالمي وأسهمت في تطور الدول والمجتمعات، كما أغنت العديد من الثقافات والحضارات. ولاتزال حركات الهجرة تلعب دورا مهما في تنمية المجتمعات، المستقبلة والمصدّرة للمهاجرين.
وساهمت الهجرة في تخفيف الضغط على أسواق العمل المحلية، من خلال توفير فرص عمل بالإضافة إلى التدريب والتعليم. وقدّرت الأمم المتحدة عدد المهاجرين في العالم بحوالي 232 مليون مهاجر دولي يشكلون 3.2 بالمئة من جملة سكان العالم في 2013.
ما هي أنواع الهجرة؟
تعد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا منطقة منشأ ومقصد مهمة في إطار النمط الحالي للهجرة العالمية. وتمثل نسبة المغتربين من سكانها 5,3 بالمئة، وهي أعلى نسبة مغتربين في العالم (وفقا لإحصاءات البنك الدولي 2010).
ويرصد تقرير إدارة السياسات السكانية والمغتربين والهجرة، التابعة لجامعة الدول العربية، ثلاثة نماذج للهجرة في المنطقة هي:
◄ هجرة الجنوب–الشمال: أي الهجرة من البلدان النامية إلى البلدان المتقدمة، ويتجلى بوضوح في بلدان المغرب العربي، حيث تفضّل الغالبية العظمى من مهاجري هذه البلدان التوجه إلى أوروبا.
◄ هجرة الجنوب- الجنوب: ويقصد بها الهجرة بين البلدان النامية، وأبرز مثال على هذا النوع الهجرة نحو بلدان الخليج العربي.
◄ النموذج الثالث يمثل مزيجا بين النموذجين السابقين، الجزء الأكبر منه يعكس نموذج هجرة جنوب جنوب، ومثاله الهجرة في المشرق العربي.
كيف تتوزع حركة الهجرة العربية؟
بلغ عدد المهاجرين الدوليين في الوطن العربي 17.1 مليون نسمة عام 2000 بما يشكل حوالي 6 بالمئة من جملة سكانه. وارتفع عدد المهاجرين إلى 28.8 مليون نسمة سنة 2010 ليمثل ما نسبته 8.3 بالمئة من السكان. واستمر تدفق المهاجرين إلى المنطقة العربية في الازدياد ليصل إلى حوالي 30.3 مليونا عام 2013 . وترجع النسبة العظمى من تلك الزيادة إلى ارتفاع أعداد المهاجرين الدوليين في بلدان الخليج العربي.
40 بالمئة نسبة الكفاءات المهاجرة من لبنان إلى الخارج
وحسب بيانات 2013 حول أعداد المهاجرين الدوليين في الوطن العربي فإن المملكة العربية السعودية تستضيف أكبرعدد منهم، بنحو9.1 ملايين نسمة، وتليها الإمارات بنحو 7.8 ملايين نسمة، ثم الأردن بـ 2.9 مليون، وتحل الكويت في المرتبة الرابعة بحوالي 2 مليون، ثم قطر بنحو 1.6 مليون نسمة، ومن ثم تتوالى بقية الدول العربية.
وبشكل عام يمكن استنتاج ضعف الهجرة البينية في الوطن العربي، خصوصا بين بلدان المغرب العربي والخليج العربي.
أين تتركز أكبر نسبة مهاجرين؟
بيّنت دراسات سنة 2000، أن أكبر نسبة من المهاجرين في الأقاليم العربية الرئيسية تركزت في منطقة الخليج العربي مسجّلة حوالي 62 بالمئة، بينما حظي المشرق بنسبة 24 بالمئة من جملة المهاجرين في العام ذاته، وتبعه كل من الجنوب العربي والمغرب بنسبتي 8 بالمئة و6 بالمئة على التوالي.
وفي عام 2013، ارتفع نصيب الخليج من جملة المهاجرين في الوطن العربي إلى 74 بالمئة، بينما تقلص نصيب بقية الأقاليم العربية مقارنة بما كان عليه الوضع عام 2000، حيث انخفض نصيب المشرق العربي إلى 20 بالمئة، وتقلص نصيب المغرب العربي إلى 4 بالمئة، في حين بلغ نصيب الجنوب العربي من المهاجرين الدوليين 2 بالمئة.
ماهو وضع الهجرة من البلدان العربية؟
تُشير بيانات البنك الدولي إلى أن هناك حوالي 18.1 مليون مهاجر من إقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عام 2010، بما يشكل حوالي 5.3 بالمئة من جملة سكان المنطقة. وتتصدر مصر والمغرب وفلسطين والعراق والجزائر واليمن وسوريا والأردن ولبنان قائمة الدول العربية من حيث الهجرة للخارج.
تمثل تحويلات المهاجرين مصدرا مهما للدخل أكثر من مساعدات التنمية الرسمية أو الاستثمارات الأجنبية المباشرة
ويتجه غالبية المهاجرين من تلك الدول (40.2 بالمئة) إلى دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، و23.2 بالمئة إلى دول العالم المتقدم الأخرى، و31.5 بالمئة إلى دول داخل بلدان المنطقة العربية، وحوالي 1.2 بالمئة إلى دول نامية أخرى.
يستنتج تقرير جامعة الدول العربية حول الهجرة أنه عند مقارنة تطور أعداد المهاجرين الدوليين إلى المنطقة العربية مع المهاجرين من البلدان العربية خلال السنوات 2000 و2013 يتبين ازدياد أعداد المهاجرين الدوليين للوطن العربي بمقدار أعلى من أعداد المهاجرين العرب للخارج، حيث بلغ الفرق بين الفئتين عام 2013 حوالي 20 مليونا لصالح المهاجرين للوطن العربي مرتفعا من 13 مليونا في عام 2000.
وقد يكون للهجرة لبلدان الخليج العربي دور في ارتفاع مستوى تدفق المهاجرين الدوليين على بلدان الوطن العربي. من جانب آخر، لعبت سياسات الهجرة الانتقائية والتقييدية لبعض الدول الأوروبية بسبب الظروف الاقتصادية للأزمة الاقتصادية العالمية دورا في الحد من تدفق المهاجرين العرب لذلك الإقليم.
|
ما هو وضع المهاجرين اللاجئين؟
للأحداث السياسية غير المستقرة التي شهدتها بعض بلدان الوطن العربي أثر كبير على أعداد اللاجئين خاصة في بلدان المشرق العربي، مما شكل أعباء اقتصادية على الدول المستضيفة للاجئين. من جانب آخر، تساعد الحروب والنزاعات وعدم الاستقرار في الوطن العربي على استمرار نزوح الكفاءات من الوطن العربي على الأخص في البلدان التي تعاني من تلك الأحداث.
في ذات السياق قال الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، “لم يكن في تاريخ الأمم المتحدة مثل هذا العدد من اللاجئين والنازحين وطالبي اللجوء… لم يتعين على الأمم المتحدة من قبل مساعدة مثل هذا العدد من الأفراد بمواد غذائية ومواد أخرى ضرورية للبقاء على قيد الحياة”.
وأوضح بان كي مون أن اللحظة الراهنة تتطلب المزيد من الموارد والقيادة السياسية واستعدادا غير مسبوق للتعاون من جميع الدول. وبحسب بيانات بان كي مون، بلغ عدد الأشخاص الذين شردوا من أوطانهم خلال العام الجاري أكثر من مليوني شخص.
ما هي الخلفية التعليمية للمهاجرين؟
سجّلت أعلى نسبة مهاجرين من أصحاب التعليم العالي إلى خارج أوطانهم في الصومال بنسبة 97.5 بالمئة من المهاجرين، تليها لبنان بنسبة 38.6 بالمئة، ثم يأتي المغرب بـ 17 بالمئة من المهاجرين، لتتوالى بعد ذلك النسب في الدول العربية الأخرى بـ12.5 بالمئة في تونس، و11.1 بالمئة في العراق، و11 بالمئة في جيبوتي، و9.4 بالمئة في الجزائر، و7.2 بالمئة في الأردن، و7.2 بالمئة في فلسطين، و6.1 بالمئة في سوريا.
وبلا شك تمثل تلك النسب حجم الهدر والنزيف في الكفاءات العلمية التي قد تحتاجها تلك البلدان لاستثمارها على المستوى الوطني.وقد أكد التقريرالإقليمي لهجرة العملالعربية لعام 2006 علىارتفاع نسب المتعلمين بين المهاجرين من البلدان العربية وتنامي هجرة العقول والكفاءات وأصحاب المهارات. فالمنطقة العربية تعرف هجرة قوية أساسا فيقطاعين حساسين،الصحة والتعليم مما يكون له إنعكاس سلبي على الإعداد الصحي والتربوي لرأس المال البشري في الدول المرسلة.
ماهي التحديات؟
أشار التقرير أن ارتفاع نسبة الأطفال والشباب في المشرق العربي سيفرض كثيرا من التحديات في المستقبل، من أهمها ضرورة العمل على توفير فرص عمل، حيث أنه في ظل معدلات البطالة المرتفعة السائدة بين الشباب، من المتوقع أن ترتفع تطلعات السكان نحو الهجرة كأحد الحلول لمشكلة البطالة، بينما تنخفض أعداد تلك الفئة مقارنة بالأقاليم الأخرى، لتصل إلى أدنى نسبة لها بين بلدان الخليج العربي.
وسيفرض التركيب العمري للسكان خاصة في المشرق العربي تحديات متعددة تتطلب التعامل معها بشكل جدي لتلافي أية عواقب سلبية على المستوى الاجتماعي والسياسي، وبطبيعة الحال الاقتصادي. أما إذا ما استمرت الأوضاع على ماهي عليه فقد يؤدي ذلك إلى ارتفاع وتيرة وتيارات المهاجرين بحثا عن فرص عمل في أماكن أخرى من العالم. وقد أكد التقرير الإقليمي للهجرة لعام 2008 أن ضعف الدخل وانخفاض فرص العمل المناسب من بين أبرز العوامل الطاردة.
ما هي العلاقة بين الهجرة والتنمية؟
تساهم الهجرة الدولية في التنمية من خلال ثلاثة محاور رئيسية هي:
◄تحويلات المهاجرين لأوطانهم الأصلية: تتمثل أهمية التحويلات وأثرها على التنمية في كونها أحد أهم التدفقات المالية على مستوىالعالم أجمع، حيث يفوق حجم تدفقات تحويلات المهاجرين حجم تدفقات المعونات الأجنبية، وتأتي مباشرة من حيث الحجم بعد تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر.
كما تمثل التحويلات إحدى الأدوات الهامة التي يمكن أن تساهم مساهمة إيجابية وفعالة في تنمية اقتصاديات البلدان المستقبلة لها إذا ما توافرت البيئة المناسبة والسياسات الحكومية المحفزة التي تمكنها من أداء هذا الدور.
◄نقل المعارف والخبرات المكتسبة في بلدان المهجر للوطن الأم: تعد عمليات نقل المعرفة والمهارات والخبرات والأفكار والثقافة المكتسبة من دول المهجر إحدى الوسائل المهمة لإستفادة بلد المنشأ من المغتربين، والتي تؤثر تأثيراً إيجابياً في رأس المال البشري في بلدان المنشأ.
97.5 بالمئة نسبة المهاجرين الصوماليين من أصحاب الشهادات العليا
◄ التبادل التجاري والمشاريع الاستثمارية المشتركة التي يؤسسها المهاجرون: أكدت الدراسات أن قيام بعض المهاجرين بدعم جهود التنمية في بلد المنشأ، سواء بإقامة مشروعات متطورة فيه، أو القيام بجهود تطوعية في مختلف المجالات يقلل من حدة الآثار السلبية لهجرة الكفاءات ويسهم، جزئياً، في تحويل نزيف العقول إلى كسب له. كما تتيح تلك الأنشطة للمهاجرين دعم جهود التنمية في بلد المنشأ من ناحية، مع الاحتفاظ بمقر إقامتهم في بلد المقصد. أضف إلى ذلك أن الإنخراط في تلك الأنشطة قد يساعد هؤلاء المهاجرين على استكشاف فرص العودة إلى بلد المنشأ مستقبلا.
ويشير التقرير الإقليمي الثالث للهجرة الدولية والعربية أنه تم اختيار عنوان “الهجرة الدولية والتنمية” ليكون موضوع تقرير سنة 2014، تماشيا مع سياق للمرحلة التي تمر بها المنطقة العربية والتي حاليا تجعلها في أشد الحاجة إلى ربط قضايا الهجرة بالتنمية.
ومن توصيات التقرير في أجل تعظيم الإستفادة من الجاليات المغتربة في دعم التنمية في البلدان العربية: العمل على تحسين السياق وخلق بيئة مهنية مشجعة في البلدان العربية وبلورة آليات تجعل من هجرة الكفاءات العربية ثروة مشتركة.
وكان المؤتمر الأول للمغتربين العرب الذي عقد بمقر الأمانة العامة في شهر ديسمبر 2010 شدّد على ضرورة الاهتمام بالكفاءات العربية وتبادل الخبرات بينها وبين دولها. وأكد على أن الكفاءات العربية في المهجر هي ثروة قومية ودولية يجب الاهتمام بها ودعمها وإيلائها مكانة متميزة ضمن الخيارات الإستراتيجية للدولالعربية، وعلى رأسها الاستراتيجيات التنموية، حيث يمثل المهاجرون من وإلى وبين البلدان العربية، بالإضافة إلى الهجرة العائدة،عاملا هاما من عوامل التنمية المستدامة في بلدان الأصل وبلدان المهجر.