Archived: الإعلام العربي يبيض الإرهاب وغرائب انخراط الشباب الاوروبي جهاديا في سوريا


51

معظم دول العالم استغلت الأزمة السورية وفق ما يتماشى مع مصالحها، وانقسم المشهد بين داعم للمعارضة وداعم للنظام

فاطمة البدري: القدس العربي

مما لا شك فيه أن معظم دول العالم استغلت الأزمة السورية وفق ما يتماشى مع مصالحها، وانقسم المشهد بين داعم للمعارضة وداعم للنظام. وتفاقم الوضع وتتالت الأحداث حتى تحول هذا الملف إلى معطى مستهلك لا سيما وقد فتحت بؤر أخرى للتوتر والموت في المنطقة.

بؤر حولت المنطقة إلى مستنقع لأعمال العنف والتقتيل ومرفأ لالتقاء المتطرفين من أصقاع هذه الأرض. وصورة قاتمة توحي بوضع أكثر تعقيدا الآن وعلى المدى القصير والمتوسط زد على ذلك تبعاته على المدى البعيد. وما زال السؤال الأكبر يطرح بشدة من يريد حمل هذه الشعوب إلى هذا المصير؟ وما هي أبعاده وأهدافه؟!

قد يكون من الغباء ادعاء الجهل بالإجابة ولكن من يحمل الدليل؟ واليوم وبعد حجم الخسائر التي لحقت ببلاد الشام وما زالت على يد الطاغية الحاكم وعلى يد التتار القادمين باسم الجهاد وقف الكثير من الخبراء والمحللين يتساءلون كيف التقت هذه المجموعات؟ وبالأحرى تساءل الغرب عندما انخرط بعض أبنائهم في هذا المطب القذر، وهم الذين وجهوا كل أصابع الاتهام دائما إلى الشباب العربي الإسلامي نافين فكرة انخراط أبنائهم.

«صناعة الموت» وجهاد الشباب الاوروبي

برنامج «صناعة الموت» الذي يقدمه الإعلامي محمد الصميعي على قناة «العربية» فتح الحوار مع الباحث المتخصص في شؤون الحركات الإسلامية في فرنسا جمال المصراوي حول حقيقة انخراط الشباب الأوروبيين في ما يسمى الجهاد في سوريا وأسباب ذلك.

انطلق الصميعي بالتساؤل عن الأسباب التي قد تحمل الشاب الأوروبي للالتحاق بهذه المجموعات المتطرفة أمام الثراء المادي والعلمي والاستقرار الأمني لهذه الدول؟ وقد كانت أسئلته في صميم الموضوع، إذا ما تأملنا المشهد السياسي والثقافي والاجتماعي في الدول الأوروبية.

حيث تعيش هذه المنطقة على مستوى عال من الانفتاح الفكري والثقافي يغطيه مشهد سياسي واقتصادي مستقر، وهو ما يجعل فكرة التحاقهم بهذه المجموعات مثيرة للريبة. وقد كان الحديث بصفة خاصة عن الشباب الفرنسي، وقد علل ضيف الحصة المتخصص في شؤون الحركات الإسلامية جنوح الفرنسيين إلى هذا المصير بعدة ظروف، منها الذاتي والداخلي ومنها الخارجي.
فمن جهة يتسم هؤلاء بفشلهم في المسار الدراسي وفقدان الثقة في النفس والأسرة والمجتمع، إضافة إلى إشكالية الهوية لديهم، كما تتسم الفتيات منهم بالميل للعمل الإنساني والانخراط فيه.
ومن جهة أخرى يرى الضيف أن الكثير من وسائل الإعلام التي روجت لحاجة سوريا لمن يدعمها ما أثار حماسة هؤلاء، لا سيما مع تأثير صورة البطل التي أثارت داخلهم نزعات زادت من حماستهم للالتحاق بالجبهة. إلى جانب الارتباط الروحي ببلاد الشام على اعتبار أنها أرض مباركة ستنتهي الحياة بها وما أضفته هذه الجماعات من قداسة على هذا المعطى لاستقطابهم على حد تعبيره.
وقد يكون تحليل هذا الباحث على قدر كبير من الصحة في بعض النقاط وعلى قدر من التضارب في البعض الآخر. فبالنسبة لتأثير وسائل الإعلام فما من أحد ينسى تجنيد الإعلام العربي والدولي لإعلان سوريا بلدا منكوبا ويحتاج إلى جحافل من المتطوعين لإنقاذه من براثين الأسد. وكان ذلك عبر بعض التقارير المبالغ فيها التي أعدت عن الأزمة أو عن طريق تمرير دعوات بعض الشيوخ المعروفة الشباب في العالم للجهاد في سوريا وإنقاذ شعبها.

واستجابت بعض المجموعات تلقائيا لهذه النداءات، ولكن تدريجيا بدأت ملامح هذا التتار الذي غزا بلاد الشام تتضح ليدرك الجميع أنها مجموعات منظمة أعدت لأغراض وأهداف أخرى غير الدفاع عن أمن السوريين ومساندتهم.

الاعلام تورط في تبرير دخول فرق الموت الدينية

وبهذا فإن الإعلام تورط بصورة أو بأخرى في التبرير لدخول هذه الفرق التي لم تكتف باستباحة أعراض وأرواح وارزاق الشعب، بل تتجه نحو تغيير النمط الثقافي والاجتماعي لهذا البلد الموغل في الحضارة. وليس أدل على ذلك من المشهد الجديد الذي أمست عليه مدينة «الرقة» السورية بعد سيطرتهم عليها وإعلانها مقرا لهذه الجماعات المتطرفة ومنطلقا لنشر فكرهم الجديد القائم على التعصب والتقتيل.

أما بالنسبة لمسألة الفقر العلمي والمادي لهؤلاء فإن الأمر يبدو منطقيا لأن هذه العوامل قد تخلق نوعا من الانحرافات التي قد تسهل عملية استدراجهم في أعمال تبدو لهم بطولية. ولكن وبالعودة إلى هذه المجموعات فقد نسي المقدم أن يلفت نظر ضيفه إلى أن هناك أعدادا كبيرة انضمت إلى هذه التنظيمات المتطرفة، رغم أنهم من حملة الشهادات الجامعية.

ومن هنا لا بد لعلماء الاجتماع والخبراء المختصين في مثل هذه المجموعات البحث عن الأسباب التي قد تدفع بهذا الشاب المستنير بالعلم إلى الالتحاق بمجموعات الموت. وكيف ينجح هؤلاء في إقناع هذا النوع من الشباب؟ أو بالأحرى فإن الدراسة لا بد أن تطال على وجه الخصوص قادة هذه التنظيمات وأبعاد تكوينهم العلمي وقدراتهم على الخطابة والإقناع.
إذ من الحماقة التسليم بأن هؤلاء مجرد أسماء تعمل دون أن تتلقى تدريبات وتأطير قوي يضمن نجاحها. وكما تتوجه الدول الأوروبية إلى سن قوانين وإحداث خلايا يسيرها مجموعة من كبار الخبراء المختصين لحماية أبنائها من مجرد الانخراط فيها، فإنني أعتقد أن الدول العربية مدعوة اليوم للتعامل بصرامة أكير مع هذه الظاهرة الموجهة إليها دون غيرها. وان تكف الجهات التي تدعم فرق الموت لأنه من عادة السحر أن ينقلب على الساحر.

معاقبة قناة «نسمة»

وعلى الضفة الأخرى من المنطقة العربية هناك من جهة المغرب العربي فتحت بوابة العنف أيضا، قد تكون أقل وطأة مما هو عليه الوضع في بلاد المشرق، ولكن للعنف هنا وجه واحد. وقد يكون الوضع في ليبيا في الفترة الأخير قد ألقى بظلاله على الوضع الأمني التونسي على اعتبار عامل القرب الجغرافي بين البلدين.

هذا إلى جانب محاولات بعض المجموعات الإرهابية التي تحتمي ببعض الجبال زحزحة الأمن العام في كل مرة عبر إقدامها على بعض العمليات التي استهدفت أعوانا من الجيش الوطني.
عمليات موجعة وجهت لبلد لم يتعود هذه الأحداث ولا يملك ثقافة الإرهاب، بلد يعتبره الكثير من المحللين نموذجا للانسجام بين مختلف مكوناته، والبلد العربي الأقرب لتأسيس منظومة ديمقراطية رائدة. وأمام هذا القادم الجديد تعالت الأصوات لتضافر الجهود بين مختلف مكونات المجتمع التونسي، بما في ذلك الإعلام للتصدي لهذا الخطر الذي يحدق بالوطن. وتم توجيه الإعلام إلى عدم الحياد في التعامل معه وهو ما استحسنه الكل عدا قناة «نسمة» التي استضافت عنصرين ليبيين ينتميان إلى «المجموعات الإسلامية المتطرفة» وفتحت لهما المجال للحديث عن الاقتتال والحرب. وهو ما أثار حفيظة عائلة الصحافة في تونس واستنكرت المسألة جدا.

حيث قررت الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري ايقاف بث وإعادة البرنامج الذي قدم المادة السالف ذكرها وما يتفرع عنه من برامج إخبارية لمدة شهر ابتداء من تاريخ صدور القرار، علما أن البرنامج المعني هو «ناس نسمة».

وقد دعم هذا القرار النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين، وعبرت عن إدانتها لهذه الخطوة. وقد اتهمت القناة عقب هذا البرنامج بتبييض وترويج الإرهاب. وقد يذهب البعض إلى اعتبار ذلك ضربا لحرية الصحافة في تونس وتقييد الإعلام، ولكن بالعودة إلى الوضع الأمني في البلاد فإن مثل هذا الطرح يعكس وجهة نظر تتعاطف بشكل أو بآخر مع جهة تشكل تهديدا صارخا لأمن البلاد. ونحن ندرك جيدا قوة تأثير الإعلام لا سيما في مثل هذه الأحداث التي تحتاج التقاء كل الجهود واتحادها للنجاح في الخروج بالوطن من هذه الأزمة بأقل ما يمكن من الخسائر.
ولعلي أعود بهذه النقطة إلى ما سلف ذكره عن قوة تأثير الإعلام وتوجيهه للمتلقي الذي يقع في تضارب بين معطيات ميدانية تؤكد همجية ووحشية هذا الطرف وبين وسيلة إعلام تفتح أبوابها لهم كدعاة سلام.

 * اعلامية تونسية

 

 
للحصول على الاخبار بشكل سريع يمكنكم الاشتراك بالصفحة الرئيسية للموقع على فيس بوك عبر الرابط:

https://www.facebook.com/all4syria.org

Print Friendly





للحصول على الاخبار بشكل سريع يمكنكم الاشتراك بالصفحة الرئيسية للموقع على فيس بوك عبر الرابط:
https://www.facebook.com/all4syria.org